Sabtu, 09 Januari 2016

من أسلوب النقد التربوي: معرفة مجتمع المنقود واتجاهاته وأفكاره


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن من الأساليب الفاعلة في التربية والتعليم أسلوب النقد التربوي للقضايا والسلوكيات المختلفة، سواء صدرت على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة، كما في قصة الثلاثة الذين جاءوا إلى بيته صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عمله، فكأنهم تقالّوه.

فقال أحدهم: لا أتزوج النساء، وقال الآخر: لا آكل اللحم، وقال الثالث: لا أنام على فراش، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : (( ما بال أقوامٍ قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) أخرجه البخاري.


ودراسة أي شخص ونقده، تقتضي التنويه بالعصر والمجتمع الذي نشأ فيه، ومدى التأثُّر والتأثير. فالإنسان ابن بيئته، وملاحظة تأثير العصر في تكوين شخصياته تساعد على فهم منهجه العلمي والتربوي، ومقارنة الكلام النظري بالممارسة الفعلية، وفهم الجو المحيط ببعض المواقف، فالأفراد لا يخرجون عن إطار عصرهم الزماني والمكاني. كما تقتضي معرفة اتجاهاته الفكرية ومذهبه في الفقه والعقيدة.

أهمية معرفة حالات مجتمع المنقود وفكره في النقد

يقول ابن ناصر الدين رحمه الله: "والكلام في الرجال ونقدهم يستدعي أموراً منها: أن يكون المتكلم عارفاً بمراتب الرجال وأحوالهم في الانحراف والاعتدال، ومراتبهم من الأقوال والأفعال، والمعرفة بالأسباب التي يجرح بمثلها الإنسان، وإلا لم يقبل قوله فيمن تكلم، وكان ممن اغتاب وفاهَ بمحرم " .

ومن هنا ذكر أهل العلم أن مما يجب على المعلم العناية به في عمله التعليمي والتربوي أن يتعرف على تلاميذه من جميع النواحي، يقول ابن جماعة رحمه الله: "وينبغي على المعلم أن يستعلم أسماءهم وأنسابهم ومواطنهم وأحوالهم". 

لأن بهذه المعرفة يمكنه أن يوجه عملية التعليم وِجْهتها الصحيحة، وينقد ما يراه فيها من ملحوظات بما يناسب الحال والمقام، ذلك أن "لكل فرد عالمه الخاص الفريد، وشخصيته المتميزة عن باقي الأفراد، وله حاجاته وقدراته وميوله، وهو يختلف عن كل من سواه بسبب سماته الموروثة، وخصائصه المكتسبة". 

فإذا عرف الناقد حال الشخص والمجتمع كان ذلك عوناً له على اختيار الوقت المناسب والمكان المناسب والأسلوب المناسب لتوجيه النقد إليه

أصناف الأعلام نحو اتجاهات مجتمعهم

-         منهم عالم جمهور، ينساق وأهواء العامة، لا يبغي غير كثرة السواد.
-         وعالم بلاط، يتملق أُولي السلطان، ويتسلق المناصب أينما كان، خبير في الرقي للمناصب العلى
-        ومن الأعلام من هو عالم ربّاني، غايته الدعوة لله لا لنفسه أو طائفته، يتحرّى مواقع الخَلل ومواطن الزّلل في مجتمعهم، ثم يبحث الشفاء فيعرضه، ولو قيل: هو مرّ، لا يخشى لومة بين الملأ، ولا غضبة أولي الملأ

حالات المجتمع واتجاهاته التي قد تؤثر على المنقود

الحالة السياسية

إن الحالة السياسة في المجتمع تنبني عليها الحالات الاجتماعية والدينية والعلمية، ولها أثر كبير في شخصية المنقود وأفكاره العلمية، فالأعلام الذين يقومون في دولة ديموقراطية أو ليبرالية غالبا يختلفون مع الذين يقومون في دولة متمركزية أو على نظام المملكة في طريقة عرض آرائه.


وفي جانب آخر قد تكون انتاجات المنقود الفكرية تلبية وإجابة على القضايا والمشكلات السياسية الواقعة في عصره. على سبيل المثال: مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية فيما يتعلق بالسياسة الشرعية والجهاد تأثر – قل أم كثر – بالحالة السياسية الموجودة في عصره، حين اجتاح التتار العالم الإسلامي، واستولوا على بغداد عاصمة الخلافة، وقتلوا خليفة المسلمين المستعصم بالله، حتى بقيت بغداد خاوية على عروشها، ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول في سنة (656هـ).



كما أن العالم الإسلامي تعرض أيضاً للغزو الصليبي الحاقد، فاستولى الصليبيون على كثير من ديار المسلمين، واستمرّت الحروب بينهم وبين المسلمين قرنين من الزمان، يصيبون من المسلمين، ويصيب المسلمون منهم، إلى أن منّ الله تعالى بتطهير البلاد منهم في سنة (690هـ) على يد الملك الأشرف بن قلاوون.



الحالة الدينية 

إن مما يؤثر على مؤلفات العالم هي الحالة الدينية المحيطة به، وقد يكون كتابه ردا على الانحرافات والمنكرات الواقعة في مجتمعهم. مثل في عصر ابن قيم الجوزية حيث ساءت الحالة الدينية في دمشق، وضعف الوازع الديني في نفوس المسلمين، وارتكبت الكثير من الذنوب، وشاعت المعاصي والمنكرات بين المجتمع.


وقد انتشر بين المسلمين في عصره التعصّب المذهبي، وأدّى إلى كثير من الخلافات بين العلماء أنفسهم، حتى إن الجامع الأموي في دمشق كان يوجد به إمام لكل مذهب، ولكل إمام محراب.



كما انتشرت في ذلك الوقت بعض الفرق الضالّة التي تنتسب كذبا إلى الإسلام، مع شدّة عداوتها وحربها لأهله، وعلى رأس هذه الفرق: الرافضة والنصيرية. وإلى جانب وجود هذه الفرق المعادية للإسلام، وجدت في أوساط الناس البدع والخرافات، والاعتقاد في الأشخاص من المشعوذين.



ولا شكّ أن مثل هذه البيئة وما فيها من مفاسد ومخالفات شرعية، من أكبر العوامل التي تحرّك الدعاة المخلصين والعلماء العاملين للقيام بمحاربة هذه المنكرات، ومحاولة إصلاح الناس إلى أهدى السبيل.


الحالة العلمية 

إن الحالة العلمية الموجودة في المجتمع له دور كبير في جودة انجازات المنقود العلمية وكثرتها، كما هو الإمام الذهبي فإن خلف انتاجاته العلمية النفيسة هو ازدهار الحركة العلمية في الشام، فأصبحت مقصدا لكثير من العلماء وطلاب العلم الوافدين من سائر أقطار العالم الإسلامي.


ومن مظاهر ازدهار الحركة العلمية في ذلك العصر كثرة المؤلفات النافعة القيمة. قد كانت تلك الفترة التي عاش فيها الإمام الذهبي فترة ذهبية في حياة الأمة الإسلامية، من حيث وفرة الإنتاج العلمي وغزارته، مع تنوّع الفنون التي تناولتها المؤلفات آنذاك.



ومن ذلك: كتب الشروح الحديثية، مثل (شرح البخاري) لقطب الدين الحلبي (ت735هـ)، و(شرح الترمذي) لابن سيد الناس (ت734هـ) وكلاهما لم يكمل. ووجدت كتب الرجال، وعلى رأسها (تهذيب الكمال) للحافظ المزي (ت742هـ)، و(الميزان).



وكذا وجدت كتب الأطراف الحديثية، وأهمها في ذلك العصر: (تحفة الأشراف) للحافظ الْمِزِّي. والكتب التاريخية التي جمعت حوادث تلك الفترة وتواريخها وما قبلها، وعلى رأسها (البداية والنهاية) للحافظ ابن كثير. كما ألّفت في اللغة، وأهمها: (لسان العرب) للعلامة ابن منظور. إلى غير ذلك من المؤلفات الكثيرة النافعة.


ويشير الحافظ ابن كثير إلى كثرة العلم في الشام أيام الإمام الذهبي وشيوخه، ومن عوامل ازدهار الحركة العلمية آنذاك: 
1- رعاية سلاطين الدولة وملوكها للعلم وأهله، وتشجيعهم للنهضة العلمية؛ فقد كان الملك الأشرف شهماً، شجاعاً كريماً جواداً لأهل العلم، لا سيما أهل الحديث. وأما الملك الكامل فإنه كان يحب العلماء ويسألهم أسئلة مشكلة.
2- سقوط الخلافة الإسلامية، وضياع بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية وخرابها، الأمر الذي أدّى إلى انتقال النشاط العلمي إلى مصر والشام.

3- ذهاب صفوة علماء الأمة الإسلامية ومفكريها في أثناء هذه الهجمة، وكذا ضياع كثير من الكتب والمؤلفات القيمة في تلك الهجمة، الأمر الذي وَلَّد شعوراً لدى علماء الأمة في ظل دولتهم الجديدة بضرورة تحمّل المسؤولية في إحياء ما فقدته أمتهم من تراث ومعرفة، فتنافسوا في التأليف والإبداع. 

الحالة الاجتماعية والاقتصادية 

إن التركيبة الاقتصادية - الاجتماعية التي من خلالها يتم ترقية المستوى العلمي في المجتمع لها أثر على الأشخاص، إذ أن الظروف الاقتصادية أو عدم توفر الأموال الكافية لديهم قد يمنعهم عن التركيز والإتقان في عمليتهم العلمية، وقد تغير هذه الظروف غرضهم في التأليف، مثل الذي يؤلف كتابا لأجل المال ليس لأجل العلم ونشر الحق.


بخلاف الذي عاش تحت السلطات التي تهتم بالعلم والتعليم، فتخصص لهم الأموال الكافية لإجراء البحث العلمي، وتبني لهم المراكز، وتوفر لهم المقابل المادي على انتاجهم الفكري، تكون لها تأثير كبير الجودة والإتقان.



وتهم أيضا معرفة أعمال العلماء المهنية، فبعضهم يعتمدون في معيشتهم على الحرف والتجارة والاعمال اليدوية وغيرها من مصادر الدخل الأخرى المختلفة، وكذلك الأخلاق التي تمتع بها العلماء في أثناء ممارستهم لهذه الأعمال الحرفية والتجارة والعوامل التي جعلتهم على مثل هذه الأعمال.



كما تهم معرفة العلاقات الاجتماعية للعلماء، مثل علاقتهم مع أهلهم، وعلاقتهم مع بعضهم البعض، وعلاقتهم مع طلابهم، ومع عامة الناس، وكذلك علاقتهم الاجتماعية مع الخلفاء والأمراء.

معرفة اتجاهات المنقود الفكرية 

إن مما ينبغي أن يعرفه الناقد هو اتجاه المنقود الفكري، حيث أن معرفته تساعد على فهم آراء المنقود واكتشاف أغراضه المخفية، وبالتالي يستطيع من خلالها القيام بالرد الوافر له.


فمثلا الذي يريد أن ينقد أبا طالب المكي، لا بد أن يعرف أنه من كبار المرجعيات الصوفية، وقد عاش في القرن الرابع الذي اضطربت أحوال المسلمين، وقد انتشر في العالم الإسلامي سب الصحابة من بني بويه، وبني حمدان، والفاطميين. ومع ذلك لم يذكرهم أبو طالب، أو يحذر منهم مع أنه ذكر بعض الطوائف وحذر منها .



وغيره ممن تأثر بالصوفية مثل أبو حامد الغزالي الذي عاصر الحروب الصليبيين، حيث يقول زكي مبارك: "بينما كان بطرس الناسك يقضي ليله ونهاره في إعداد الخطب والرسائل يحث أهل أوروبا فيها على احتلال أقطار المسلمين كان حجة الإسلام الغزالي غارقًا في خلوته مُنكبًّا على أوراد المبتدعة، لا يعرف ما يجب عليه من الدعوة والجهاد".



هناك بعض الاتجاهات الفكرية والمذاهب في الفقه والعقيدة التي لها تأثير كبير على العلماء ومؤلفاتهم
والمذاهب في العقيدة: مثل الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، والإباضية، والمعتزلة، والجهمية، والزيدية، والأشاعرة، والماتريدية، والخوارج، والجبرية، والقدرية

والطرق الصوفية: مثل الطريقة الدسوقية، الطريقة البرهانية، الطريقة الشاذلية، الطريقة القادرية، الطريقة التيجانية، الطريقة الرفاعية

والاتجاهات المعاصرة: مثل العلمانية، الصهيونية، والوطنية أو القومية، اللبرالية، والشيوعية أو اللادينية، حركة تحرير المرأة . والحركات الباطنية: مثل اليزيدة، والنصيرية، والإسماعلية، والبهائية، والقاديانية والقرامطة. 

والحركات الدعوية المعاصرة: مثل الدعوة السلفية، والإخوان المسلمون، وجماعة التبليغ، وحزب التحرير، وأنصار السنة المحمدية، والجماعة الإسلامية. 

والمذاهب الفقهية: وأشهرها وأكبرها: المذهب الحنفي، نسبة إلى أبي حنيفة النعمان، والمذهب المالكي، نسبة إلى مالك بن أنس، والمذهب الشافعي، نسبة إلى الشافعي، والمذهب الحنبلي، نسبة إلى أحمد ابن حنبل. وهذه المذاهب هي مدارس فقهية، اتفقت في أصول الأحكام الكلية، واختلفت في الفروع الفقهية،ولا يوجد بينها اختلاف في العقيدة، كما أن هناك مذاهب فقهية أخرى غير هذه الأربعة لكنها لم تنتشر ولم يحصل لها الاشتهار مثل اشتهار هذه المذاهب الأربعة، مثل  المذهب الظاهري، والمذهب الأوزاعي، والمذهب الليثي وغيرهم

أهم المصادر والمراجع

-1  البداية والنهاية، لعماد الدين أبي الفداء ابن كثير، تحقيق: أحمد أبو ملحم، علي نجيب عطوي وآخرون، نشر: دار الكتب العلمية(بيروت)1/1405هـ
-2  الرد الوافر، لابن ناصر الدين الدمشقي، تحقيق: زهير الشاويش، نشر: المكتب الإسلامي(بيروت) د.ت
-3  حياة الإمام ابن قيم الجوزية، لمحمد مسلم الغنيمي، نشر: المكتب الإسلامي (بيروت) 2/1401هـ
-4  الذهبي ومنهجه في تاريخ الإسلام، بشار عواد، نشر: مطبعة عيسى البابي (القاهرة) 1/1976م
5-النقد التربوي في المنهج الإسلامي، حسين نفاع الجابري، رسالة دكتوراه، منشورة، قسم التربية كلية الدعوة بالجامعة الإسلامية، 1431هـ
6- الحياة الاجتماعية للعلماء من خلال كتابي سير أعلام النبلاء للذهبي والمنتظم في تاريخ الأمم والملوك لابن الجوزي، عبد الرحمن أحمد المختار، رسالة الماجستير، غير منشورة، 1999هـ
-7  ذيل طبقات الحنابلة،أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد ابن رجب الحنبلي، تحقيق: محمد حامد الفقي، نشر: مطبعة السنة المحمدية (القاهرة)1/ 1372هـ
-8  تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة
-9  تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، إبراهيم بن سعدالله ابن جماعة
-----------------------------------------------------------------

Makalah ini dipresentasikan di kelas Program Doktoral Tarbiyah Islamiyah, Universitas Islam Madinah, di bawah bimbingan Syekh Prof. Dr. Abdurrahman Al-Anshory


0 komentar: