Rabu, 04 November 2015

قاعدة (اليقين لا يزول بالشك) وتطبيقاتها التربوية - منهجية الدكتوراه


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
فإن الله تعالى قد أتم على هذه الأمة بإكمال هذا الدين، فلا تخلو حادثة من الحوادث إلا ولها في هذه الشريعة حكم، علمه من علمه، وجهله من جهله، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث النعمان بن بشير رضى الله عنه المتفق عليه (الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس)([1]).   

وقد يسر الله لحمل هذا الدين طائفة من هذه الأمة، ضبطوا أصوله،  ومهدوا قواعده، فقاموا بذلك خير قيام، دون ملل أو كلل، امتثالاً لقول الله تعالى:  (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[2]. وجعلوا لهذه القواعد قواعد أصولية وفقهية، وجعلوا للقواعد الفقهية، قواعد خمس كبرى، ومن هذه القواعد الكبرى هي قاعدة (اليقين لا يزول بالشك) لما لهذه القاعدة من أهمية في كثير من الأحكام الفقهية، والفتأوي الشرعية وتطبيقاته في مجال التربية، كما سوف يتبين من خلال هذا البحث.


         ومع ذلك تسعى التربية، بكل وسائلها، إلى تحقيق هدف سام هو تغير سلوك الفرد لما ينبغي ان يكون مرضيا ومقبولا من المجتمع، وبهذا يمكن للتربية ان تغير المجتمع بأكمله لأن الفرد جزء من المجتمع فإذا تغير سلوك الفرد إلى الافضل والأقوم والاحسن، نكون بذلك قد خلقنا مجتمعا متفاهما متحابا متعاونا..

     ولا يمكننا توجيه الافراد إلى فعل الاشياء أو تركها إلا عندما نتعرف إلى الحكم الشرعي بالحل أو الحرمة، وهذا ما يعطينا اياه الفقه، اذن من دون الحكم الفقي لا نستطيع توجيه الافراد إلى السلوك المرغوب فيه شرعا.
    وبهذا يتضح أن هناك علاقة وطيدة بين الفقه والتربية إذ إن الفقه لا يكون قد أعطى نتائجه التربوية إلا إذا طبق في المجتمعات والتزمت هذه المجتمعات بالأحكام الفقهية النابعة من الكتاب والسنة وبهذا يكون هناك مجتمع مؤمن ملتزم. ([3])

التعريف بالقاعدة وأهميتها
ذكر أهل العلم أن من القواعد الفقهية الكبرى، قاعدة (اليقين لا يزول بالشك). وهذه القاعدة أصل شرعي عظيم، تعد من أكثر القواعد تطبيقاً كما قال السيوطي: (اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه، والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر)([4]).
وعليها مدار كثير من الأحكام الفقهية  وهي قاعدة مجمع عليها، قال الإمام القرافي: (هذه قاعدة مجمع عليها، وهي أن كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم الذي يجزم بعدمه)([5]). كما أنها قاعدة أساسية يتفرع منها قواعد فقهية مندرجة تحتها. يقول الإمام النووي: (هذه قاعدة مطردة لا يخرج منها إلا مسائل)([6]).
ويتمثل فيها مظهر من مظاهر اليسر والرأفة في الشريعة الإسلامية.وهي تهدف إلى رفع الحرج حيث فيها تقرير لليقين باعتباره أصلاً معتبراً، وإزالة للشك الذي كثيراً ما ينشأ عن الوسواس، لا سيما في باب الطهارة والصلاة. ومن المعلوم أن الوسواس داء عضال، إذا اشتد بصاحبه لا ينفك عنه، فيقع المكلف في المشقة، ويكابد عناء في أداء الوجبات. وكذلك في سائر المسائل والقضايا الفقهية التي تسري فيها هذه القاعدة يتجلى الرفق والتخفيف عن العباد. ([7]) 
من التطبيقات التربوية: هي تمثل في حياة المسلم منهجاً واضح المعالم في التحقيق والتثبت والتمحيص قي الأقوال والأفعال والاعتقادات والعبادات.


تعريف اليقين في اللغة والاصطلاح
اليقين لغة: قال ابن منظور: (العلم وإزاحة الشك وتحقيق الأمر وقد أيقن يوقن إيقانا فهو موقن و يقن ييقن يقنا فهو يقن واليقين  نقيض الشك) ([8]). واليقين كذلك يأتي بمعنى آخر، قال الرازي: (اليقين هو العلم وزوال الشك) ([9])
وقال الجرجاني هو: (العلم الذي لا شك معه) ([10]). وقال الفيروزآبادي اليقين هو: (إزاحة الشك) فقط ([11]). فالجميع متفقون على إن اليقين في اللغة هو ضد الشك، وبمعنى العلم.     
واليقين في الاصطلاح: قال الجرجاني هو: (اعتقاد الشيء بأنه كذا مع اعتقاد أنه لا يمكن إلا كذا مطابقا للواقع غير ممكن الزوال) ([12])، وقيل هو: (اعتقاد جازم لا يقبل التغير من غير داعية الشرع) ([13]).           وقال أبو البقاء: (العلم المستقر في القلب لثبوته عن سبب متعين له، بحيث لا يقبل الانهدام) ([14])
        من التطبيقات التربوية: إن في التربية والتعليم لابد فيها من المسلمات الثابتة التي لا يتطرق عليها الشك والريب، مثل الغايات والمبادئ والقيم الأخلاقية المستنبطة من القرآن والسنة تكون أساسا لها.


تعريف الشك في اللغة والاصطلاح
الشك في اللغة: قال ابن منظور: هو (نقيض اليقين وجمعه شكوك وقد شككت في كذا وتشككت وشك في الأمر) ([15]). وقال ابن نجيم: (الشك تسأوي التردد) ([16]).
أما الشك في الاصطلاح: جاء في المصباح المنير: (قال أئمة اللغة الشك خلاف اليقين فقولهم خلاف اليقين هو التردد بين شيئين سواء استوى طرفاه أو رجع أحدهما على الآخر) ([17]). وقال الجرجاني: (هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك) ([18]).
وقيل أنه: (ما استوى طرفاه وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما فإذا ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن فإذا طرحه فهو غالب الظن وهو بمنزلة اليقين) ([19]). وقال ابن القيم: (حيث أطلق الفقهاء لفظ الشك فمرادهم به التردد بين الشيء وعدمه، تسأوى الاحتمالان أو رجح أحدهما) ([20]).
من التطبيقات التربوية: إن في مجال التعليم والتدريس بعض الأمور الاجتهادية التي تتصف بالمرونة وعدم الثبوت، خاصة ما يتعلق بالأساليب والطرق والأدوات التعليمية، فهذه الأمور بعد مرور الزمن  قد يشك في صحتها وصلاحياتها، فيحتاج إلى تقويم مستمر وتطوير دائم والتأكد من صلاحيتها حتى تحققت أهداف التعليم.


المعنى الإجمالي للقاعدة
أن ما كان ثابت متيقناً من الأمور، لا يرتفع بمجرد طروء الشك عليه، وذلك لأن الأمر اليقيني لا يعقل أن يزيله ما هو أضعف منه، بل يزيله ما كان أقوى منه أو ما كان مثله، (ولتوضيح ذلك فإن الأصل براءة الذمة، فاليقين في ذلك أنها ليست مشغولة، وإذا قام الدليل على شغلها كان اليقين شغلها بالدين، والأصل في المياه الطهارة سواء كانت مياه أمطار أو أنهار أو بحار أو عيون أو آبار، فهذا هو اليقين فيها فلا يعدل عن ذلك بالشك.
كما أن الأصل في الذبائح الحرمة أي الأمر المتيقن فيها أنها كذلك ما لم يقم دليل على تذكيتها. والأصل في الكلام الحقيقة ن أي المتيقن في دلالة الألفاظ استعمالا في المعنى الذي وضعت له، ما لم يقم دليل على صرفها عن ذلك، والأصل في العام أ، يتنأول جميع ما يصلح له، وهذا المتيقن ولا يصرف عن ذلك إلى الخصوص ما لم يقم دليل عليه.
والحكم الثابت بالدليل يبقى ثابتاً ما لم يرد دليل يرفعه، فيعتبر بقاؤه يقينياً استناداً إلى دليل، فلا يزيله احتمالات ليس لها ما يبررها. فمن ملك شيئاً بعقد أو أرث أو أي سبب صحيح، يبقى مالكاً لما في حوزته، ولا ينتقل إلى غيره إلا بدليل، لأن الملك استند إلى سبب صحيح، فثبوته يقيني، فلا يزول إلا بيقين مثله. ([21])




شروط إعمال القاعدة
لهذا القاعدة شروط يجب العمل فيها وهي: ([22])
    1) اتحاد القضيتين المتيقنة والمشكوك فيها في المتعلق، والمقصود بذلك أن يكون ما تعلق به اليقين هو ما تعلق به الشك، ووجه اشتراط هذا في القاعدة، أنه في حدوث قضية جديدة. فلا يكون هناك نقض لليقين بالشك.
    2) اختلاف زماني حدوث اليقين والشك في زمن واحد، ويكون ذلك بتقدم زمن اليقين على زمن الشك، ليصدق عدم نقض اليقين بالشك، لأنه من المستحيل اجتماع زمان اليقين والشك، مع كون المتيقن هو المشكوك فيه نفسه، لما في ذلك من الجمع بين النقيضين وهو محال. 
    3) اجتماع اليقين والشك في زمن واحد، والمقصود أن يتفق حصول اليقين والشك في آن واحد، لا بمعنى أنى مبدأ حدوثهما يكون واحد، لأن ذلك من المحال.
    4) اتصال زمان الشك بزمان اليقين , والمقصود بذلك أن لا يوجد فاصل بينهما يتخلله يقين آخر، لأن دخول اليقين على اليقين ينقضه، فتخرج المسألة من نطاق عنوان القاعدة.
    5) فعلية الشك واليقين، والمقصود أن يتحقق كل من الشك واليقين بالفعل، فلا عبرة بالشك التقديري، لعدم صدق النقض به، ولا اليقين التقديري، لعدم صدق ناقضه بالشك.
    6)   وجود الأثر العملي المصحح لإجراء القاعدة، والمقصود هو أن يكون لإبقاء حكم المتيقن في حالة الشك أثر علمي.
    7)   أن لا يعارض يقين القاعدة ما هو أرجح منه فإذا حصل التعارض عمل بالراجح.



أدلة مشروعية القاعدة
لهذه القاعدة العظيمة أدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. أما ما جاء في القرآن الكريم:
   1.   قوله تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أكثر مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ([23]).
    2.   وقوله تعالى: (وَمَا يَتَّبِعُ أكثرهُمْ إِلَّا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)([24]).
   3. وقوله تعالى: (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَأواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ([25]).
    4.   وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) ([26]).
    5.   وقوله تعالى (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ([27]).
وأما أدلتها من الأحاديث:
   1. حديث  عباد بن تميم عن عمه أنه شكا إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال (ثم لا ينفتل أولا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) ([28]). وقد بوب البخاري على هذا الحديث، فقال: (باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن).   
    2. حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (ثم إذا شك أحدكم في صلاته فليلق  الشك  وليبن على اليقين فإذا استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان) ([29]).
   3. حديث  أبي هريرة: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (ثم إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) ([30]). قال النووي على هذا الحديث: (وهذا الحديث أصل من أصول الاسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه وهي ان الاشياء يحكم ببقائها على اصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ولا يضر الشك الطاريء عليها فمن ذلك مسئلة الباب التي ورد فيها الحديث وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارج الصلاة هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف) ([31])
   4. حديث عبدالرحمن بن عوف رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول: (ثم إذا شك أحدكم في الثنتين والواحدة فليجعلها واحدة وإذا شك في الثنتين والثلاث فليجعلها ثنتين وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثا ثم ليتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في الزيادة ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم) ([32]).
أما من الإجماع:
فقد أجمع العلماء على أصل العمل بهذه القاعدة. فقد نقل الإجماع عن الإمام القرافي فقال: (هذه قاعدة مجمع عليها، وهي أن كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم الذي يجزم بعدمه)([33]). وقد أشار الإمام ابن دقيق العيد إليه فقال: (والحديث-حديث عباد بن تميم-أصل في إعمال وطرح الشك، وكأن العلماء متفقون على هذه القاعدة، لكنهم يختلفون في كيفية استعمالها)([34]).                            
أما من جهة المعقول:
فلا شك إن اليقين أقوى من الشك، لآن اليقين يتصف بالثبات والاستقرار، في مقابل أن الشك يحمل معنى التردد والاحتمال فلا يقوى على إزالة اليقين، وإلى هذا أشار مصطفى الزرقاء: (اليقين أقوى من الشك لأن اليقين حكماً قطعياً جازماً فلا ينهدم بالشك) ([35])
  
تطبيقات فقهية على القاعدة
تطبق هذه القاعدة في مسائل كثير من أبواب فقهية مختلفة سواء في العبادات أو المعاملات أو العقود ومن هذه التطبيقات: ([36])
     1.   إذا شك في طهارة الماء أو غيره أو نجاسته بنى على  اليقين.
    2. لو شك هل صلى ثلاثة أو أربعا وهو منفرد بنى على اليقين  إذ الأصل بقاء الصلاة في ذمته وإن كان إماما فعلى غالب ظنه لأن المأموم ينبهه فقد عارض الأصل هنا ظهور تنبيه المأموم على الصواب وقال الشافعي ومالك يبني على  اليقين  مطلقا لأنه الأصل.
    3.   إذا شك هل طاف ستا أو سبعا أو رمى ست حصيات أو سبعا بنى على  اليقين.
    4.   إذا شك هل عم الماء بدنه وهو جنب أم لا لزمه يقين تعميمه ما لم يكن ذلك وسواسا.
    5.   إذا اشترى ثوبا جديدا أو لبيسا وشك هل هو طاهر أو نجس فيبني الأمر على الطهارة ولم يلزمه غسله.
   6. إذا كان عليه حق لله عز وجل من صلاة أو زكاة أو كفارة أو عتق أو صيام وشك هل أتى به أم لا لزمه الإتيان به الثانية عشرة إذا شك هل مات مورثه فيحل له ماله أو لم يمت لم يحل له المال حتى يتيقن موته.
    7.   إذا شك في حياة الرجل وموته لتوريثه بنى على يقين الحياة.
    8. إذا شك الصائم في غروب الشمس لم يجز له (لأن الأصل بقاء النهار) الفطر ولو أكل أفطر ولو شك في طلوع الفجر جاز له الأكل (لأن الأصل بقاء الليل)  ولو أكل لم يفطر.
    9.   إذا طلق وشك في عدد الطلاق فإنه يبني على اليقين.



من التطبيقات التربوية:
1. وجوب إشاعة منهجية التثبت عند النقد على الأشخاص أو الهيئات أو المؤسسات عموما، ومما يؤسف له أن هذه المنهجية تتوارى عند التطبيق لدى البعض خاصة عندما تكثر الإشاعات، ويعز المصدر الموثوق به، لكن المسلم له منهجية تميزه عن غيره، فهو لايتمضمض بأعراض البرءاء، ولا ينقل من الأخبار إلا ما تيقن منه.
2. المسلم يأوي إلى جبل من اليقين بأن الأصل في المسلم البراءة، والسلامة، والعدالة، وحسب أن الله لم يكلف الإنسان  أن ينقب عن صدور الخلق فيعلم أن فلانا قال كذا أو فعل كذا، فكل نفس بما كسبت رهينة، لكنه يكون في أعظم الحرج إن نجح الشيطان بأن يجعله مطية لقول الزور، وخاصة حينما يكون القائل في مكانة مرموقة من محبيه وسامعيه.
3. الانسياق وراء الظنون والشكوك له آثار مدمرة على العمل الإسلامي ومنها توهين الصف المسلم، بنشر الإشاعات، وأحيانا تكون هذه الإشاعات موجهة إلى رموز الخير ممن لهم في النفوس مكانة وتقدير، فتحدث البلبلة، والشقاق، وعندها يرقص الشيطان فرحا على أشلاء وحدتنا، ومن الآثار كذلك إضعاف الثقة في أهل الدعوة وأهل الإصلاح والتوجيه.
4. اعتماد منهجية الحقائق الموثقة بالدلائل والإحصائيات والأرقام عند اتخاذ أي قرار أو تصرف، بعيدا عن الانفعالات العاطفية، وردود الأفعال التي لا تعني حل المشكلة بمقدار ما تعني الانفعال بالمشكلة وأثرها على النفس. وبعض الحلول التربوية للمشكلات –أو ما يتوهم حلا- تكرس المشكلة وتزيدها تفاقما. ([37])


بعض القواعد المندرجة تحت القاعدة
 القاعدة الأولى: ((الأصل بقاء ما كان على ما كان))
المعنى الإجمالي للقاعدة: أن ما كان محكوماً له بحكم فيما مضى ما لم يرد دليل شرعي آخر يفيد تغير الحكم، فما كان حلالاً يبقى حلالاً إلى أن يرد دليل على الحرمة، وما كان واجباً يبقى واجباً إلى أن يرد دليل ينقله من الوجوب إلى الندب، وما كان طاهراً يبقى طاهراً إلى أن يرد دليل يفيد النجاسة، وهكذا في جميع الأشياء ينسحب الأمر عليه.
ومن فروع هذه القاعدة: ([38])
   1. من أكل آخر الليل في رمضان وشك في طلوع الفجر صح صومه، لأن الأصل بقاء الليل، ومن أكل آخر النهار في رمضان بلا اجتهاد ن وشك في غروب الشمس فصومه غير صحيح، لأن الأصل بقاء النهار.
   2. إذا اشترى إنسان من آخر سيارة وادعى المشتري أن فيها عيباً قديماً وأنكر البائع فالقول قول البائع، لأن الأصل عدم العيب.
   3.   تعاشر الزوجان مدة مديدة، ثم ادعت عدم الكسوة والنفقة، فالقول قولها لأن الأصل بقاؤهما في ذمته، وعدم أدائهما.
    4.   اشترى ماء، وادعى نجاسته، ليرده فالقول قول البائع لأن الأصل طهارة الماء.
    5.   ادعت الرجعية امتداد الطهر وعدم انقضاء العدة. صدقت ولها النفقة، لأن الأصل بقاؤها.
    6.   من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو متطهر.
   7. لو ادعى المستأجر دفع الأجرة إلى المؤجر، وأنكر المؤجر ذلك، كان القول مع اليمين، لأن الأصل بقاء الأجرة في ذمة المستأجر إلى أن يثبت دفعها إلى المؤجر.
   8. اختلف الزوجان في التمكين، فقالت سلمت نفسى إليك من وقت كذا، وأنكر فالقول قوله، لأن الأصل عدم التمكين.
   9. إذا شك الزوجان بعد الدخول فقال الزوج أسلمت في عدتك فالنكاح باق فقالت بل أسلمت بعد انقضاء عدتي فوجهان. احدهما أن القول قوله لأن الأصل بقاء النكاح. والثاني أن القول قولها لأن الأصل عدم السلامة في العدة.

من التطبيقات التربوية: في مجال النقد التربوي: أن الأصل في امرء مسلم عدالة، ومن حقه ألا يظن إلا بحق وحسن. فإذا لا يوجد أي دليل على انحرافه يبقى على أصله الأول.

القاعدة الثانية: ((الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن))
المعنى الإجمالي القاعدة: أنه إذا وجد أمراً ما حادثاً، وأمكن أن يكون وقته قريباً أو بعيداً، ولا بيِّنة، فإن القاعدة هي أن وقته المعتبر هو القريب؛ لأنه هو المتيقن، والبعيد مشكوك فيه. ([39])
ومن فروع هذه القاعدة: ([40])
1.لو رأى في ثوبه منياً، يعلم أنه من أثر احتلام، ولم يذكر احتلاماً، فإنه يُرجعه إلى آخر نومة نامها، ويعيد الصلوات التي صلاها بعد تلك النومة.
2.لـو ضــــرب إنسان بطن حامل فوضعت جنينها حياً، وبقي زمناً بلا ألم، ثم مات، فإن موته يُنسب إلـى ســبب آخر بعد الضرب، بخلاف ما لو وضعته ميتاً، أو حياً متألماً حتى مات، فإنه يُنسب إلى ضربه لها، فتجب فيه دية كاملة.
3. توضأ من بئر أياماً وصلى ثم وجد فيها فأرة، لم يلزمه قضاء إلا ما تيقن أنه صلاه بالنجاسة.
4.ادعت أن زوجها أبانها في المرض وصار فاراً، فترث وقالت الورثة أبانها في صحته، فلا ترث كان القول قولها فترث.
من التطبيقات التربوية:
1. إنه في عملية التقويم الدراسي يوجد ما يسمى بالاختبار الشهري والاختبار النهائي، فيكون الاعتبار على نتائج الاختبار النهائي أكثر من نتائج الاختبار الشهري، لأن الأعمال بالخواتم.
2. إنه في قبول المتعلمين عند المؤسسات التربوية الاعتماد على شهاداتهم ونتائجهم الأخيرة، لأن القاعدة هي أن وقته المعتبر هو القريب؛ وهو المتيقن.
3. في مجال النقد التربوي: إذا راجع المؤلف عن أفكاره المنحرفة، وقد تاب قبل موته، فلا يعتبر ولا يحكم عليه إلا ما على آخر حياته، وهو القريب والمتيقن.

القاعدة الثالثة: ((ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين))
المعنى الإجمالي القاعدة: أن اليقين لا يرتفع بما هو دونه كالشك([41]). وقد ذكر ابن حجر هذه القاعدة من ضمن فوائد حديث  أبي هريرة رضى الله عنه المشهور بحديث (ذا اليدين) حيث قال أبي هريرة: (ثم صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد ووضع يده عليها وفي القوم يومئذ أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وخرج سرعان الناس فقالوا قصرت الصلاة وفي القوم رجل كان النبي  صلى الله عليه وسلم  يدعوه "ذا اليدين"، فقال: يا نبي الله، أنسيت أم قصرت؟ فقال:لم أنس ولم تقصر، قالوا: بل نسيت يا رسول الله، قال: صدق ذو اليدين، فقام فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر ثم وضع مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر)([42]). وقال ابن عبد البر  وفيه (حديث ذا اليدين المشهور) أن اليقين لا يجب تركه للشك حتى ياتي يقين يزيله([43]).
من فروع القاعدة: ([44])
    1. إذا شك إنسان في ترك مأمور في الصلاة فإنه يسجد للسهو، وأما إذا شك في ارتكاب فعل منهي عنه فإنه لا يسجد، لأن الأصل المتيقن عدم فعله.
    2. إذا شك إنسان في عدد أشواط الطواف أو السعي أهي ستة أو سبعة بنى على اليقين الأقل، لأنه هو المتيقن، فالذمة شغلت بالطواف أو السعي بيقين، ولا يرتفع إلا بيقين وهو بالشوط السابع.
    3.   إذا شك هل أحرم بحج أو عمرة، نوى القران ثم لا يجزيه إلا الحج فقط لاحتمال أن يكون أحرم إدخال العمرة عليه.
من التطبيقات التربوية: إن الثوابت في مجال التربية والتعليم مثل المبادئ الأساسية والقيم الأخلاقية المستنبطة من القرآن والسنة لا يمكن تغييرها وتبديلها بالنظريات الحديثة الغربية المخالفة لشريعة الإسلام، لأن الوحي فيه اليقين والنظريات الحديثة فيها شكوك، واليقين لا يرتفع بما هو دونه كالشك.

القاعدة الرابعة: ((لا ينسب إلى ساكت قول.لكن السكوت في معرض الحاجة إلى بيان بيان))
المعنى الإجمالي للقاعدة: أن الأصل عدم الاعتداد بالسكوت، ويستثنى من ذلك الاعتداد به إذا كان في معرض الحاجة، ودلت الظروف الملابسة على الاعتداد به. ([45])
من فروع القاعدة: ([46])
    1.   إذا سكتت الثيب عند الاستئذان في النكاح لم يقم سكوتها مقام الإذن، لأنه لابد أن تصرح بالنطق.
    2.   إذا أتلف إنسان مال آخر وصاحب المال يشاهد وهو ساكت فلا يكون سكوته إذناً بالإتلاف، بل له أن يضمنه.
    3.   لو سكن إنسان في دار آخر، وهي غير معدة للإجارة فسكت صاحبها، لا يعد ذلك إجارة.
    4.   لو سكتت زوجة العنين سنين لا يكون سكوتها رضاً مسقطاً حقها في التفريق القضائي بينها وبين زوجها.
    5.   إذا رأى المرتهن الراهن يبيع العين المرهونة، فلا يعد سكوته إجازة ببيع الرهن.
    6.   إذا سكتت البنت عند استئمار وليها قبل الزواج فإن سكوتها يقوم مقام النطق، لأنه في معرض الحاجة إلى البيان.
    7.   سكوت الشفيع عن طلب الشفعة بعد علمه بالبيع يعد إسقاطاً لحقه في الشفعة.
   8. لو سأل القاضي المدعى عليه عما يقول في دعوى المدعي، فاعتصم بالسكوت، يعتبر منكراً للدعوى فيكلف المدعي الإثبات.
من التطبيقات التربوية:
1.  إذا سئل العالم في قضية ما وهو ساكت فلا ينسب إليه قول إلا إذا كانت الحاجة تطلب الإجابة والظروف لم تسمح لذلك، مثل الذي عاش تحت سلطان جائر، فحينئذ سكوته يمكن أن يفسر خلاف قول السلطان.
2.  في عملية التقويم: إذا لا يجيب المتعلم أسئلة الاختبار فإنه لا يعطى له درجة مع أنه قد يكون لضيق الوقت أو لسبب آخر لأنه في معرض الحاجة إلى الإجابة نظاميا.

القاعدة الخامسة: ((الأصل براءة الذمة))
المعنى الإجمالي القاعدة: أن الأصل في ذمم الناس فراغها من جميع أنواع التحمل والالتزام إلى أن يثبت ذلك بدليل، لأن الناس يولدون وذممهم فارغة. والتحمل والالتزام صفة طارئة، فيستصحب الأصل المتيقن به، وهو فراغ الذمة إلى أن يثبت خلاف ذلك([47]). ويؤيد ذلك ما جاء في سنن  الترمذي  قول الرسول صلى الله عليه وسلم  (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) ([48]).
من فروع القاعدة: ([49])
    1.   إذا ادعى شخص على آخر ديناً لم تقبل دعواه إلا بدليل.
    2.   إذا اتهم إنسان شخصاً بالقتل أو غيره فإن المتهم بريء إلى أن تثبت هذه الدعوى بالدليل.
    3.   توجهت اليمين على المدعى عليه فنكل، لا يقضى بمجرد نكوله، لأن الأصل براءة ذمته، بل تعرض على المدعى.
    4.   لو اختلف المؤجر مع المستأجر في مقدار الأجرة فالقول قول المستأجر مع يمينه، وعلى المؤجر البينة.

من التطبيقات التربوية:
   1. في مجال النقد التربوي، إذا أراد الناقد أن يتكلم على المنقود وفكرته المنحرفة لابد أن يأتي بدليل،  وإن لم يجد ذلك فنقده غير مقبول لأن الأصل براءة الذمة.
    2.   إذا اتهم طالب بالغش في الامتحان فإنه بريء من ذلك إلى أن تثبت هذه التهمة بالدليل أو الشاهد.
 
القاعدة السادسة: ((الأصل في الأمور العارضة العدم))
المعنى الإجمالي القاعدة: هـــذه القاعدة أيضاً من القواعد المندرجة تحت القاعدة الكبرى: (اليقين لا يزول بالشك) ومعناها: أن الصفات والأحوال الطارئة على الشيء يحكم بعدم وجودها إلى أن يثبت دليل الوجود. ([50])
من فروع القاعدة: ([51])
    1. إذا باع شخص سيارة وسلمها إلى المشتري، فادعى المشتري وجود عيب فيها، وادعى البائع سلامتها من العيوب، فالقول قول البائع مع يمينه، لأن السلامة من العيوب من الصفات الأصلية والأصل فيها الوجود. وأما العيب فصفة عارضة فلا يقبل قوله إلا ببينة.
    2.   إذا اختلف المضارب ورب المال في وجود ربح فالقول للمضارب، وعلى رب المال البينة، لأن الربح حالة عارضة.
    3.   لو اختلفا في قبض المبيع والعين المؤجرة، فالقول لمنكره.
    4.   لو ثبت عليه دين بإقرار أو بينة فادعى الأداء أو الإبراء، فالقول للدائن لأن الأصل العدم.
    5.   إذا أكل طعام غيره، وقال كنت أبحته وأنكر المالك، صدق المالك. لأن الأصل عدم الإباحة.

من التطبيقات التربوية: لو ادعى الطالب أنه سلم الواجب وأنكر المدرس، ولم توجد البينة على ذلك، فالقول للمدرس لأن الأصل العدم. 



القاعدة السابعة: ((الأصل في الكلام الحقيقة))
المعنى الإجمالي للقاعدة: هـــذه القاعدة أيضاً من القواعد المندرجة تحت القاعدة الكبرى: (اليقين لا يزول بالشك)، ومعناها: أن الراجح عند السامع أن يحمل كلام المتكلم على معناه الحقيقي، عند الخلو من القرائن التي ترجح إرادة المجاز.([52])
من فروع القاعدة: لو قال إنسان أوقفت هذه الدار على حفاظ القرآن الكريم، لم يدخل في ذلك من كان حافظاً ثم نسيه، لأنه يطلق عليه حافظ مجازاً لا حقيقة.
    1.   لو قال هذه الدار لزيد كان إقرارا له بالملك، حتى لو قال أردت أنها مسكنه لم يسمع.
    2.   لو حلف أن لا يأكل من هذه الحنطة، فإنه يحنث بأكل عينها للإمكان، فلا يحنث بأكل خبزها.

من التطبيقات التربوية: في مجال النقد التربوي: أن يحمل كلام المنقود على معناه الحقيقي والظاهر، ولا ينبغي حمله على المجاز أو تأويله إلى غير معناه الظاهر إلا إذا توجد القرائن التي ترجح على ذلك.

القاعدة الثامنة: ((الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم))
المعنى الإجمالي للقاعدة: أن الله سبحانه وتعالى قد أحل المباحات وحرم سبحانه وتعالى المحرمات وسكت عن أشياء رحمه للأمة، فما حكم هذه الأشياء، الأصل فيها الحل والإباحة بدليل حديث أبي ثعلبة قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (ثم أن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وغفل عن أشياء نسيان فلا تبحثوا عنها) ([53]).
من فروع القاعدة:
   1.   الحيوان المشكل أمره، الأصل فيه الحل.
   2. الأرض وما تولد فيها الأصل فيها الطهارة لحديث  جابر بن عبد الله رضى الله عنه  أن النيبي صلنى الله عليه وسلم قال(ثم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل([54])                                                                                               
    3.   المياه الأصل فيها الإباحة لقوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً) ([55]).
    4.   الأصل في المنافع الحل والإباحة لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ([56]).
من التطبيقات التربوية: إن في مجال التعليم والتدريس يمكن استخدام أي نوع من الأدوات التعليمية أو الأساليب التربوية أو الطرق التدريسية ما لم يوجد الدليل على منعها شرعيا أو نظاميا.  

القاعدة التاسعة: ((الأصل في  الأبضاع  التحريم))([57])
المعنى الإجمالي للقاعدة: المراد بالأبضاع الفروج، وهي أن علاقة الرجال بالنساء مبناها على التحريم والحظر فلا يحل منهن إلا ما أحله الشرع لدليل قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) ([58]).
من فروع القاعدة: لو أدخلت المرأة حلمة ثديها في فم رضيعة ووقع الشك في وصول اللبن إلى جوفها لم تحرم لأن المانع شكاً. ([59])
من التطبيقات التربوية: أهمية تطبيق مبادئ التربية الجنسية الإسلامية في التعليم مثل: غرص مبدأ غض البصر، والتفريق التام بين الذكور والإناث في المدارس، ومنع بناء العلاقة المحرمة،  لوقايتهم من الوقوع في الزنا وغيرها من الانحرافات الجنسية وسد سبل الاقتراب إليها.

القاعدة العاشرة: (( لا حجة مع الاحتمال الناشيىء عن دليل))
المعنى الإجمالي للقاعدة: هـــذه القاعدة أيضاً من القواعد المندرجة تحت القاعدة الكبرى: (اليقين لا يزول بالشك) ومعناها: هذه القاعدة فيها بيان أنه لا حجة مقبولة مع الاحتمال الذي ينشأ عن دليل ظنى أو قطعي بوجود تهمة. ([60])
من فروع القاعدة: ([61])
   1.   لو أقر شخص في مرض موته لبعض الورثة بدين  لايصح إقراره إلا بتصديق باقي الورثة لاحتمال محاباة بعض الورثة.
   2. لا تقبل شهادة الزوجين وشهادة الأصول والفروع بعضهم لبعض، ولا شهادة الأجير الخاص لمستأجره، لتمكن التهمة الناشئة عن علاقة.
    3.   لو باع الوكيل بالشراء ماله لموكله، أو اشترى الوكيل بالبيع مال موكله لنفسه لا يصح فيهما.
من التطبيقات التربوية: ينبغي في اختيار لجنة التقويم أو المحكمين أو المناقشين ألا يكون بينهم وبين الطالب المقوم/الباحث علاقة مسبقة حتى تكون أكثر موضوعية، وذلك لتمكن التهمة الناشئة عن علاقة.

القاعدة الحادي عشر: لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح
المعنى الإجمالي للقاعدة: أن دلالة التصريح أقوى من دلالة الحال عند التعارض سواء أكان التصريح قولاً أم كان كتابة وتقدم عليها، وعند التعارض يعمل بدلالة الحال لأنها في حكم التصريح.([62])
من فروع القاعدة: ([63])
   1. لو تصدق على شخص فسكت يثبت له الملك، ولا حاجة إلى قوله قبلت، لكن لو صرح بالرد والرفض لا يملك، لأن الصريح أقوى من الدلالة.
   2. لو وهب شخص مالاً لآخر وقبضه، فحصول عقد الهبة إذن بقبض المال دلالة، فإن حصل القبض تمت الهبة، وإن نهاه الواهب صراحة قبل القبض، سقط حكم الدلالة وبطلت الهبة، فلو قبضه كان غاصباً وتجري عليه أحكام الغاصب.
من التطبيقات التربوية: في مجال النقد التربوي، إذا تصرف المنقود بتصرف يدل على انحرافه ولكن صرح قولا أو كتابة على خلاف ذلك فإن الاعتماد والاعتبار يكون على تصريحه لأن دلالة التصريح أقوى من دلالة الحال عند التعارض.

القاعدة الثانية عشر: ((لا عبرة للتوهم))
المعنى الإجمالي للقاعدة: هـــذه القاعدة أيضاً من القواعد المندرجة تحت القاعدة الكبرى: (اليقين لا يزول بالشك) ومعناها: المراد بالتوهم الاحتمال العقلي البعيد النادر الحصول. فهذا لا يبنى عليه حكم، ولا يمنع القضاء، ولا يؤخر الحقوق. ([64])

من فروع القاعدة: ([65])
   1. لو شهد الشهود بانحصار إرث المتوفى بوارث أو بورثة معينين وقالوا لا نعلم له وارثاً غيرهم، يقضى لهم بالإرث، ولا عبرة لاحتمال ظهور وارث آخر لأن ذلك موهوم، فلا يعوق القضاء.
    2. لو كان للدار المبيعة شفيعان، غائب وحاضر، وطلب الحاضر الشفعة، فإنه يقضى له بها عند تحقيقها، ولا يتأخر حقه لما عساه يحدث من طلب الشفيع الآخر عند حضوره، لأنه موهوم.
    3. لو كان لزيد جدار ملاصق لدار جاره فأراد أن يفتح فيه كوة فوق قامة الرجل فله ذلك، وليس لجاره منعه عن فتحها بحجة أنه يطل على مقر نسائه إذا استعلى على شيء، لأنه موهوم.  
   4. إذا جرح شخص آخر، ثم شفي المجروح من جرحه تماماً، وعاش مدة ثم توفي، فادعى ورثته بأنه من الجائز أن يكون والدهم مات بتأثير الجرح فلا تسمع دعواهم.

من التطبيقات التربوية: تربية النشء من خلال سلوك المعلمين على اعتماد الدليل في أفعالهم وقراراتهم التعليمية والبعد عن التوهم أو الاحتمال العقلي البعيد النادر الحصول.


القاعدة الثالثة عشر: ((لا عبرة بالظن البين خطؤه)) 
المعنى الإجمالي للقاعدة: إن البناء على الظن صحيح؛ إذ هو أعـلـى مـرتـبـة مــن الشك؛ فهو أقرب إلى اليقين. والأحكام الشرعية في غالبها مبنية على الظن، لكن قد يظهــر خـطــــأ ذلك الظن، ويتبين أنه خــلاف الواقع، وحينئذ فإنه لا يجوز البناء عليه، لنزوله عن المرتبة المعتبرة، وبذلك ينتقض كل ما بني عليه من أحكام. ([66])
من فروع القاعدة: ([67])
1.   إذا تـوضـــأ بـمــــاء ظنه طهوراً، فبان أنه نجس بطلت طهارته، ولا عبرة بظنه: كونه طهوراً.
2.   إذا صلى يظن الوقت دخل، فظهر خلافه، لم تصح صلاته.
3.   إذا حج إنسان بولده يظنه بالغاً، والحال خلافه، لم تسقط عنه الفريضة.
4.   إذا صلى يظن نفـســه متطهراً، ثم تبين له أنه محدث، فإنه لا عبرة بظنه الطهارة، ولا تصح صلاته.
5.   إذا كـان صـائـمــاً فأكل يظن الشمس قد غربت، ولم تغرب بعد؛ فلا عبرة بظنه، وعليه القضاء.
6.   لو وجــد في بيته أو مركبه مالاً ظنه له، فاستهلكه، فبان أنه لغيره، لزمه العوض.
7.   لو أقر بالطلاق بناءً على إفتاء المفتي له بالوقوع ثم تبين عدمه لم يقع ديانة.
من التطبيقات التربوية: إن النظريات في مجال التربية والتعليم أكثرها ظنية، فإذا ظهــر خـطــــأ ذلك الظن، وتبين أنه خــلاف الواقع، لا يجوز البناء عليها ويجب ترك هذه النظريات.
فهرس المصادر والمراجع
1. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، محمد بن علي بن وهب القشيري، المعروف بابن دقيق العيد، القاهرة، إدارة الطباعة المنيرية.
2.   أصول السرخسي، أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي،  تحقيق أبي الوفاء الأفغاني،دار المعرفة، بيروت، 1393 هـ 
3.   الاشباه والنظائر، زين الدين بن إبراهيم المعروف بابن نجيم، تحقيق محمد مطيع حافظ، دار الفكر
4. الاشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، جلال الدين  عبدالرحمن السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان 
        5.   بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر بن مسعود، القاهرة، مطبعة العاصمة
        6. بدائع الفوائد، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، تحقيق  هشام عبد العزيز عطا - عادل عبد الحميد العدوي، مكتبة نزار مصطفى الباز،مكة المكرمة، 1416 هـ، الطبعة  الأولى
       7.  التعاريف، محمد عبد الرؤوف المنأوي، دار الفكر المعاصر , دار الفكربيروت , دمشق، 1410 هـ، الطبعة  الأولى، تحقيق د. محمد رضوان الداية
      8. التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405 هـ الطبعة  الأولى،  تحقيق   إبراهيم الأبياري  
       9.     سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني، دار الفكر، بيروت، محمد فؤاد عبد الباقي   
10.                       سنن الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي، تحقيق  أحمد محمد شاكر وآخرون
دار إحياء التراث العربي،بيروت.
11.         سنن النسائي سنن النسائي، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، تحقيق  عبدالفتاح أبو غدة مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1406 هـ،  الطبعة  الثانية
12.         شرح القواعد الفقهية، الشيخ أحمد بن محمد الزرقا، تنسيق د. عبد الستار أبو غدة، دارالقلم،  دمشق الطبعة الثانية
13.         شرح النووي على صحيح مسلم، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1392 هـ، الطبعة الثانية
14.         صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق د. مصطفى ديب البغا دار ابن كثير،بيروت، 1407 هـ، الطبعة  الثالثة
15.         صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري  النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي، بيروت.
16.         فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي , محب الدين الخطيب دار المعرفة، بيروت،1379 هـ.
17.                        قاعدة اليقين لايزول بالشك، د. يعقوب عبد الوهاب الباحسين، مكتبة الرشد، الرياض،
18.                        الفروق، شهاب الدين أحمد بن أدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المعروف بالقرافي، عالم الكتب  بيروت.
19.                        القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي.
20.                        القواعد في الفقه الإسلامي، أبي الفرج عبدالرحمن بن رجب الحنبلي،دار المعرفة، بيروت ـ لبنان
21.                        القواعد الفقهية، علي أحمد الندوي، دار القلم دمشق
22.         القواعد الكلية والضوابط الفقهية في الشريعة الإسلامية، د. محمد عثمان شبير، دار الفرقان  عمان، الطبعة الأولى 1420هـ 
23.                        لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر، بيروت،الطبعة  الأولى
24.                        مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت
25.                        المجموع شرح المهذب، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار الفكر  
 قاعدة اليقين لا يزول بالشك، علي بن عبدالعزيز الراجحي، alt1@maktoob.com



([1]) صحيح البخاري: 1/28، صحيح مسلم: 3/1221.
([2]) سورة التوبة، آية: 122.
([3]) قاعدة اليقين لا يزول بالشك، علي بن عبدالعزيز الراجحي، ص2
([4]) الاشباه والنظائر السيوطي: 55.
([5]) الفروق: 1/111.
([6]) المجموع شرح المهذب: 1/205.
([7]) القواعد الفقهية الندوي: 354.
([8]) لسان العرب: 13/457.
([9]) مختار الصحاح: 354.
([10]) التعريفات: 332، التعاريف: 354.
([11]) القاموس المحيط: 1601.
([12]) التعريفات: 322، التعاريف: 750.
([13]) الحدود الأنيقة: 1/68 .
([14]) الكليات: 5/116.
([15]) لسان العرب: 10/451.
([16]) الأشباه والنظائر ابن نجيم: 82.
([17]) المصباح المنير: 1/320.
([18]) التعريفات:  1/ 168.
([19]) التعريفات: 1/ 168.
([20]) بدائع الفوائد: 4/829.
([21]) بحث في قاعدة اليقين لا يزول بالشك، عبد الكريم الراجحي: ص8.
([22]) قاعدة اليقين لا يزول بالشك،  أباحسين: ص55.
([23])سورة  الأنعام،  آية: 116.
([24]) سورة يونس، آية: 36.
([25]) سورة يونس،  آية:  66.
([26]) سورة الحجرات،  آية: 12.
([27]) سورة النجم، آية، 28.
([28]) صحيح البخاري: ج1ص64، صحيح مسلم:1/276 
([29]) صحيح مسلم: 1/400.  
([30]) صحيح مسلم: 1/276.
([31]) شرح النووي على صحيح مسلم 4/49.
([32]) سنن ابن ماجة 1/381 .
([33]) الفروق 1/111.
([34]) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 1/78.
([35]) المدخل الفقهي 2/981
([36]) بدائع الفوائد 3/779، وشرح العمدة 1/83  
([37]) التطبيقات الدعوية والتربوية للقواعد الفقهية، عبد الرحمن بن أحمد الجرعي
http://www.saaid.net/aldawah/155.htm
([38]) ينظر: الاشباه والنظائر  السيوطي 51، الاشباه والنظائر ابن نجيم 60، القواعد الكلية 145               
([39]) الاشباه والنظائر  السيوطي: 59، الاشباه والنظائر ابن نجيم: 71
([40]) المنثور في القواعد 1/174، المنثور في القواعد 1/174، القواعد الكلية 155              
([41]) الاشباه والنظائر  السيوطي 55
([42]) فتح الباري شرح صحيح البخاري 3/102
([43]) التمهيد 1/342.
([44]) الاشباه والنظائر السيوطي 55-56.
([45])الاشباه والنظائر السيوطي: 142،  الاشباه والنظائر ابن نجيم: 152
([46]) القواعد الكلية 153، المدخل الفقهي 2/986
([47]) القواعد الكلية 147
([48]) سنن الترمذي 3/625
([49]) القواعد الكلية 147 
([50]) الوجيز في إيضاح قواعد الفقه  185
([51]) ينظر: الاشباه والنظائر  السيوطي 58، الاشباه والنظائر ابن نجيم 70.
([52])الاشباه والنظائر ابن نجيم 77، الاشباه والنظائر  السيوطي 63
([53]) الاشباه والنظائر ابن نجيم 73
([54]) صحيح البخاري  1/128
([55]) سورة الفرقان آية 71
([56]) سورة البقرة آية: 29
([57]) الاشباه والنظائر ابن نجيم 74
([58]) سورة النساء آية 23
([59]) الاشباه والنظائر ابن نجيم 74
([60]) القواعد الفقهية 361،  المدخل الفقهي2/ 988،  القواعد الكلية 157.
([61]) ينظر: شرح القواعد الفقهية  361، القواعد الكلية  158. المدخل الفقهي  2/ 988.
([62]) القواعد الكلية  160        
([63]) القواعد الفقهية  417
([64]) شرح القواعد الفقهية  363، القواعد الكلية:  161
([65]) ينظر: شرح القواعد الفقهية  363، القواعد الفقهية: 416، المدخل الفقهي:  2/ 988.
([66]) شرح القواعد الفقهية 357،  المدخل الفقهي2/ 985،  الأ شباه والنظائر، للسيوطي157، الأ شباه والنظائر، ابن نجيم:161
([67]) شرح القواعد الفقهية 357-358
----------------------------------------------------
Makalah ini disampaikan pada kelas Program Doktoral Tarbiyah Islamiyah mata kuliah Al-Qowaa'id As-Syar'iyyah Wa Tathbiqaatuhu At-Tarbawiyah, di bawah bimbingan Prof. Dr. Ghozy Al-Muthairy  

0 komentar: