Senin, 02 Februari 2015

الرسول المدير - صور من الإدارة النبوية صلى الله عليه وسلم



          إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، صلاةً وسلاماً دائمين إلى يوم الدين.

مفهوم الإدارة
         إن مفهوم الإدارة قديم قدم الإنسان نفسه على هذه الأرض وقد مر هذا المفهوم بمراحل متعددة من التوسع والتطور حتى أصبح في عصرنا الحاضر يقوم على أساس من الدراسات والتجارب والنظريات المتعددة والمتشابكة فيما بينها.
          فالإنسان منذ أن خلقه الله سبحانه وتعالى وهو يقوم بإلادارة لشئونه وتدبير أموره مستخدما في ذلك جميع ما منحه الله له من قوى عقلية وجسمية, وقد كان الإنسان يمارس مفهوم الإدارة بشكل عفوي وبدئي، ثم أخذ مفهوم الإدارة بالتوسع مع ظهور العديد من الحضارات القديمة التي تركت الكثير من الآثار والدلائل التي تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الإدارة من خلال الأنظمة والقوانين التى وضعها الإنسان في ذلك الوقت، كان لها اليد الطولى في قيام تلك الحضارات وإزدهارها. غير أن مفهوم الإدارة كعلم القائم بذاته يرجع في بدايته إلى ظهور المجتمع الصناعي في نهاية النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي، حيث أصبحت الإدارة علم له أصوله وأهدافه ووظائفه التى يقوم عليها.
          ولقد عرف الدكتور سيد الهواري الإدارة: بإنها تنفيذ الأعمال بواسطة آخرين عن طريق تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة مجهوداتهم.[1]
          أما الدكتور عبدالكريم درويش فيرى أن الإدارة بمفهومها العام تعني: توفير نوع معين من التعاون والتنسيق بين الجهود البشرية المختلفة من أجل تحقيق هدف معين.
          وأخيراُ فإنه وعلى الرغم من الاختلاف في وجهات النظر حول تحديد مفهوم الإدارة، إلا أن المفكرين ورجال الإدارة من عرب وأجانب يتفقون على أن الإنسان هو المحور الأساسي والمحور الرئيسي في العملية الإدارية.

أهميـة الإدارة
       من خلال دراستنا لمفهوم الإدارة، يتضح لنا أن الإدارة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإنسان سواء كان ذلك بشكل عفوي أو منظم، فهي مع الإنسان منذ نشأته وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
       والإدارة من خلال ارتباطها بالإنسان تلعب دورا ًكبيراً في تطوره وتقدمه في مختلف جوانب الحياة سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي.
       ولقد أصبحت الإدارة في عصرنا الحاضر من أعظم القوى المؤثرة في حياتنا الخاصة منها والعامة، كما أنها أصبحت تقوم بدور كبير وحيوي في مختلف المجالات وعلى جميع الأصعدة.
       ويبين الدكتور محمد حسن يس مدى أهمية الإدارة في مختلف شئون الحياة حيث يقول بإن الإدارة وظيفة حاسمة ولاغنى عنها في إدارة بيوتنا أو في إدارة منظماتنا، في الأعمال الربحية أو في مساجدنا كما في إدارة متاجرنا، في السلم والحرب، في الثبات كما في الحركة، في رعاية شئون الحياة كما في معالجة مشاكل الأموات.[2]       
            ولعل ما نشاهده اليوم من تطور وتقدم سواء على مستوى الفرد أو المجتمع في كثير من الدول المتقدمة إنما يدل دلالة واضحة على أن هناك إدارة ناجحة تقف وراء هذا الإنجاز الحضاري، كما يعطي الدليل القاطع على ما للإدارة من أهمية في تلك الدول المتقدمة.

الرسول قدوتنا في كل شيء
         أن الأصل في أفعال الرسول r وأقواله أنها للإتباع والتأسي، قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)[3]. قال ابن كثير: (هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله r في أقواله وأفعاله وأحواله..)[4].
         وتواترت النصوص النبوية في الحث على اتباعه وطاعته، والإهتداء بهديه والاستنان بسنته، وتعظيم أمره ونهيه، ومن ذالك قول الرسول r: (صلوا كما رأيتموني أصلي)[5]. وقوله r: (لتأخذوا عني مناسككم)[6].
        و أيضا قوله r: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجد..)[7]. قال الإمام الحطابي: (إنما أراد بذالك الجد في لزوم السنة، فعل من أمسك الشىء بين أضراسه، وغض عليه منعا له أن ينتزع، وذالك أشد ما يكون من التمسك بالشيء، إذ كان ما يمسكه بمقاديم فمه أقرب تناولا وأسهل انتزاعا)[8].
        فاتباع الرسول r هو المثال الحي الصادق لمحبته. فكلما ازداد الحب، زادت الحرص في الاتباع والاقتداء. ولهذا قال الله عز وجل: (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)[9].
          ولعمر الله لايستقيم قلب العبد حقيقة حتى يعظم السنة ويحتاط لها، ويعمل بها. هذا وقد قال رسول الله r: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)[10]. وكان كلامه هذا في أمر الزواج وأكل اللحم ونحوهما.
         فمن الاقتداء والاتباع بالرسول r اقتدائه واتباعه في الإدارة والتنظيم، على الأقل نجعلها كالأساس والمعيار في الإبداع والإبتكار في قضية الإدارة. وقد جعل الله حياة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم الخاصة والعامة كتاباً مفتوحاً لأمته وللبشرية جمعاء تقرأ فيه صور العقيدة وترى تطبيقاتها الواقعية فلم يكن في حياته سراً مخبوءاً أو ستراً مطوياً، حياته هي المشهد المنظور القريب الممكن التطبيق من هذه العقيدة. لذا كانت سيرته الشريفة مليئة بالأحداث في مسجده وبيته وتجارته ومع أهله وأصحابه وأعدائه. وسنقف هنا مع بعض الصور من الإدارة النبوية، إن شاء الله تعالى.[11]

صور من الإدارة النبوية
         كثيراً ما تُكتب المقالات والبحوث والكتب، وتدار الحوارات والندوات، عن صفات القائد والمدير، وأهمية توافر صفات القيادة والإدارة، لأجل ضبط الإنجاز وتطويره، كالحزم والاستقامة والمرونة والحوار، وإشاعة روح المودّة والشعور بالمسؤولية، والثقة المتبادلة.
          وفي الغالب، لا يكون هناك خلاف على أصل أي صفة من هذه الصفات أو غيرها، بقدر ما يكون الخلاف حول حدود كل صفة، وتقاطُعها مع الصفات الأخرى. ونضرب على ذلك أمثلة: كيف يوازن القائد بين المركزية التي تجعله يطّلع جيداً على ما يجري في مؤسسته، وبين التفويض الذي يمنح القيادات الوسطى مرونةً في اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية.
          وكيف يوازن بين الحزم والدقة وحسن سير الإنجاز والمحاسبة على الخطأ والتقصير والإهمال، وبين الإبقاء على روح المودّة بين الرئيس والمرؤوس، أو بين شريحة من المرؤوسين وشريحة أخرى.
          وكيف يشجع المبادرات، ويفسح المجال أمام مختلف الآراء والقناعات، ويُطْلق الفرص أمام المبدعين وفي الوقت نفسه يحافظ على هيبة القيادة، ويصون القيم والثوابت.
         ومن يقرأ في الكتب المختصة في بحوث القيادات والإدارات يلحظ أنه لا توجد في هذه المجالات مسلّمات، إنما هي مؤشّرات وقواعد عامة، وأن معظم ذلك لم يتولد من أصول نظرية، وإنما استُقي من دراسة مسالك القادة والمدراء الناجحين، ومن طرائق المؤسسات الناجحة كذلك.
         ولنا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في كل نواحي الحياة على وجه الخصوص في قيادة وإدارة الآخرين على الأسس السليمة التي رسخها الإسلام، وفي الرفق والتعاون حيث يقول الله عز وجل في كتابه الكريم) :وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان .[12](
         ولقد رسخ الرسول صلى الله عليه وسلم أسس ومبادئ الإدارة وفن قيادة الآخرين من خلال مواقفه مع أصحابه، فكل موقف كان يرسخ مبدأً جديداً في كيفية إنجاز الأعمال بنجاح وتميز دون إهدار حقوق الغير، ودون التقليل من المهام الموكولة للآخرين، بل يصبح تقسيم العمل والتعاون والاستماع للآخرين من الصفات التي ينبغي أن نتحلى بها في تعاملنا نحن في أعمالنا .
       وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر الأثر في توجيه صحابته وتحفيزهم على العمل بكفاءة، وبذلك فنجده صلى الله عليه وسلم قد وضع هذه الأسس قبل أن نكتب فيها بأربعة عشر قرناً فمن أولى هذه المبادئ:[13]

(1) التعامل مع المبدعين والمتميزين
        كان صلى الله عليه وسلم يكتشف مظاهر التفوق والنجاح الباهر في نفوس أصحابه، وينمي هذه المظاهر، ويضعها موضعها، ويشجع أصحابها. وفي الوقت نفسه لا يدع أحدهم يحتل موقعاً لا يُحْسنه.
        ومن مظاهر تعامله الإيجابي مع المبدعين أنه أطلق صفاتٍ حميدة، وألقاباً محبّبة على عدد من أصحابه، فهذا: "الصدّيق"، وهذا: "أمين هذه الأمة"، وهذا: "سيف من سيوف الله" وقوله (ما أقلَّتِ الغبراء، ولا أظلّت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذرّ).
        وزاد على ذلك أنْ أسند المهمات المناسبة لكل منهم، وأبعدهم عما لا يناسبهم من المهمات. فخالد بن الوليد منذ حداثة عهده بالإسلام يسند إليه مهمة قيادية في فتح مكة، ويشارك في غزوة مؤتة - وعلى أثرها يسميه: سيفاً من سيوف الله - ويرسله بعدئذ إلى أُكيدر بن عبد الملك صاحب دُومة الجندل، وهو رجل من اليمن، وكان ملكاً، وقد أسَرَه خالد وقدم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحقَنَ دمه، وقبل منه الجزية، وردّه إلى قومه.
        وكذلك عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي أسلم سنة 7 أو 8 هـ، أمّره على جيش المسلمين في سرية ذات السلاسل، ولم يمض على إسلامه إلا شهور، وكان في هذه السرية عدد من أصحاب السابقة من المهاجرين والأنصار.
         وفي الجانب الآخر لم يستجب لأبي ذرّ رضي الله عنه حين طلب الولاية، بل قال له: (يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأعطى الذي لله منها).

(2) التعامل مع خطأ يصدر عن الغير
        بعض الناس من قادة وغير قادة يقفون في أحد طرفي النقيض من أخطاء الآخرين، حسب درجة حساسيتهم من ذلك الخطأ، أو درجة قربهم من الإنسان المخطئ، أو مصلحتهم الشخصية. فإما أن ينظروا إلى ذلك المخطئ من نقطة الخطأ وحدها، وينسوا الفضل بينهم وبين هذا الذي زلّت به قدمه. وإما أن يدافعوا عنه في خطئه، ويرفضوا أن يدينوه فيه، ويقلبوا الخطأ صواباً، تعصباً منهم لهذا الذي أخطأ.
         ولننظر الآن إلى تعامل الرسول القائد صلى الله عليه وسلم مع جنوده حين يخطئون، لقد كان يضع كل خطأ في موضعه وحجمه، ويدينه، ولا يحكم على الرجل من خلال هذا الخطأ وحده، ويصلح ذات البين، ويؤلف بين القلوب.
         وأخبار ذلك في سيرته صلى الله عليه وسلم كثيرة مستفيضة، نجتزئ ببعضها: قال أبو عمر بن عبد الله: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى الغميصا (ماء من مياه جَذيمة من بني عامر) فقتل منهم ناساً، لم يكن قتله لهم صواباً، فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إني أبرأ إليك مما صنع خالد". قال أبو عمر: وخبره في ذلك من صحيح الأثر.
وقال ابن عبد البر أيضاً: اشتكى عبدُ الرحمن بن عوف خالدَ بن الوليد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا خالد لِمَ تؤذي رجلاً من أهل بدر، لو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله؟!" قال: "يا رسول الله، إنهم يقعون بي فأردُّ عليهم". فقال: "لا تؤذوا خالداً فإنه سيف من سيوف الله، صبّه الله على الكفار".
         وفيه أيضاً وقع بين خالد وعمار بن ياسر كلام فقال عمار: "لقد هممتُ ألا أكلمك أبداً!" فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا خالد، مالك ولعمار، رجل من أهل الجنة قد شهد بدراً؟!" وقال لعمار: "إن خالداً يا عمار سيف من سيوف الله على الكفار"، قال خالد: "فما زلت أحب عماراً من يومئذ".
         وحين كتب حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه كتاباً وأرسله إلى قريش يخبرهم بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، ونزل الوحي وانكشف أمر حاطب، وبيَّن حاطبٌ عذرَه في ذلك، وقال عمر رضي الله عنه: "يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطّلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

(3) التعامل مع مختلف الآراء
        إن كثيراً من القادة حين يعرضون مسألة للنقاش واتخاذ القرار بشأنها، يكون لهم توجُّهٌ مسبَّق، أو يتكون لهم مثل هذا التوجّه في أثناء النقاش، فتراهم يتعرضون بالتسفيه والتوبيخ لمن يعرض الرأي المخالف لتوجههم، أو يسكّتونه، أو يتهمونه في ولائه. وهذا ما يدخل عادة في باب الإرهاب الفكري الذي يجعل صاحب الرأي يُحْجم عن إبداء رأيه بصراحة، خشية تعرّضه للإسكات أو التسفيه، فلا يبقى إلا رأي من يؤيد القائد! فلنرَ كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع آراء أصحابه:
        أخرج الإمام أحمد أنه: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟" قال: فقال أبو بكر: "يا رسول الله قومُك وأهلك، استَبْقِهم واسْتَأنِ بهم، لعل اللهَ أن يتوب عليهم"، قال: وقال عمر: "يا رسول الله أخرجوكَ وكذّبوكَ، قَرِّبْهم فاضرب أعناقهم"، قال: وقال عبد الله بن رواحة: "يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمْ عليهم نارا"ً، قال: فقال العباس: "قطعتَ رَحِمَكَ"، قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يردَّ عليهم شيئاً، قال: فقال ناس: "يأخذ بقول أبي بكر"، وقال ناس: "يأخذ بقول عمر"، وقال ناس: "يأخذ بقول عبد الله بن رواحة"، قال: فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنَّ الله ليُلينُ قلوب رجال فيه حتى تكون ألينَ من اللبن، وإنَّ الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشدَّ من الحجارة، وإنَّ مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام، قال: (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم)[14]. ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: ( إن تعذّبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)[15]. وإن مثَلك يا عمر كمثل نوح قال: ( رب لا تذر على الأرض من الكفرين ديّاراً)[16]. وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال: ( واشدُد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم)[17]. إنه يجد لصاحب كل رأي شَبَهاً في سيرة نبي كريم، فهل بعد هذا تشجيع على إبداء الرأي؟!.

(4) حسن المعاملة التي تقلب العدوَّ صديقاً
         وهنا كذلك نجد أمثلة كثيرة جداً، منها قصة ثمامةُ بن أثال رئيس قبيلة حنيفة قومِ مسيلمة الكذّاب، أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام سنة 7هـ، فتلقى الرسالة بازدراء، وأخذته العزة بالإثم، ثم إنه ركبه الشيطان فأغراه بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صرفه الله تعالى عن ذلك. ثم إن ثمامة أقبل معتمراً، وهو على شِركِه، وتمكّن بعض المسلمين من إلقاء القبض عليه، ورُبط إلى عمود في المسجد، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال: "مالك يا ثمامُ؟ هل أمكن الله منك؟ قال: قد كان ذلك يا محمد، إن تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذا دم، وإن تَعْفُ تعفُ عن شاكر، وإن تسأل مالاً تُعْطَه! فمضى رسول الله وتركه، وتكرر هذا في اليوم الثاني واليوم الثالث حتى قال صلى الله عليه وسلم: "أطلقوه، قد عفوتُ عنك يا ثمام"، ولم يتمالك ثمامة مع هذه البادرة الكريمة أن أعلن إسلامه وقال: "يا محمد، لقد كنتُ وما وجهٌ أبغضَ إليّ من وجهك، ثم لقد أصبحتُ وما وجه أحبَّ إلي من وجهك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله".[18]
          وهناك قصة عمرو بن العاص. ولنذكر أن أباه هو العاص بن وائل السهمي الذي كان من أشدّ أعداء النبي صلى الله عليه وسلم، وأن عمرواً نفسه كان أحد رجلين بعثت بهما قريش إلى النجاشي حتى يُسْلمها من هاجروا إليها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول عمرو عن نفسه وهو على فراش الموت: "لقد رأيتُني وما أحدٌ أشدَّ بغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت من قتله فقتلتُه، فلو مِتّ على ذلك لكنت من أهل النار"، ثم يتحدث عن نفسه بعد إسلامه أنه "ما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنتُ أطيقُ أن أملأ عينيّ منه، إجلالاً له".[19]

(5) مهارة تحفيز وتشجيع فريق العمل
        يصف الواقدي تحركات الرسول صلى الله عليه وسلم بجيشه نحو حُنين حيث ينقل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : "ألا فارس يحرسنا الليلة ؟" إذ أقبل أنيس بن أبي مرثد الغنوي على فرسه فقال: أنا ذا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "انطلق حتى تقف على جبل كذا وكذا فلا تنزلن إلا مصلياً أو قاضي حاجة ، ولا تغرن من خلفك".
قال : فبتنا حتى أضاء الفجر وحضرنا الصلاة فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أأحسستم فارسكم الليلة؟ وقلنا: "لا والله"، فأقيمت الصلاة فصلى بنا، فلما سلّم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر خلال الشجر، فقال: "أبشروا جاء فارسكم" وعندئذ جاء أي الفارس، وقال : "يا رسول الله إني وقفت على الجبل كما أمرتني فلم أنزل عن فرسي إلا مصلياً أو قاضي حاجة حتى أصبحت ، فلم أحس أحداً". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انطلق فانزل عن فرسك وأقبل علينا، فقال : ما عليه أن يعمل بعد هذا عملاً".
         كان من منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الأداء أنه كان دائما ما يعمد إلى التخيير وبث روح المنافسة بين فريق عمله، "ألا فارس يحرسنا الليلة ؟" كما أنه استقبل حديث أنيس وهو يتحدث عن دوره وإجادته في تنفيذه بنفس طيبة، قال: "يا رسول الله إني وقفت على الجبل كما أمرتني فلم أنزل عن فرسي إلا مصليًا أو قاضي حاجـة حتى أصبحت فلم أحس أحداً ."
        فلم يتهمه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعرض موقفه بنقص في إخلاصه لا سيما وأنه يدلي بهذا الحديث أمام جمع من صحابته رضوان الله عليهم، ثم يبادر النبي بتشجيعه وتحفيزه: "ما عليه أن يعمل بعد هذا عملا".
        وفي هذا الثناء والتشجيع والإشادة بالموقف، ما يدعو كل مشرف أو مدير إلى استنفاذ طاقة فريقه وتفانيهم في العمل، كما أن الرسول أتقن فن التحفيز والتشجيع من خلال الأوصاف المتميزة على صحابته، فأبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما.[21]

6) مهارة بناء العلاقات مع الآخرين والتعامل مع الناس
        إذا كانت الإدارة الناجحة في حقيقتها هي فن إدارة الآخرين لتحقيق هدف معين؛ فإن مناط نجاحها هو التعامل الأمثل مع هؤلاء البشر الذين يراد بهم تحقيق هذا الهدف .ومن ثم تصبح من المسلمات لكل من يتولى مهمة الإدارة أو يتصدى لقيادة الآخرين أن يجيد هذا الفن، حيث إنه سيواجه أصنافاً من البشر تختلف عن بعضها في الأمزجة والميول والمشارب والاتجاهات، وإذا تأملنا هذه الصفة في سيد الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- وجدناها جلية واضحة في هذا. 
         يقول الإمام البخاري: (فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة رضي الله عنها فقال: "زملوني زملوني.." فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر" :لقد خشيت على نفسي"، فقالت خديجة: "كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ ، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق .
         لننظر في هذه الصفات ولنتأمل فيما قالته السيدة خديجة رضي الله عنها عن رسول الله، ولكي ندرك أكثر هذه المهارة ونتعامل بها؛ فإن هنا بعض المنطلقات التي ينبغي الإيمان بها حتى تكون حركتنا في هذا المجال راشدة ومهدفة :
 
       الأول: أن في بناء العلاقات لابد من معاملة كل فرد على أنه مهم - وهو بالفعل كذلك-  فلا يوجد إنسان بلا قيمة، وأنت لا تعرف من ستحتاج إليه غداً، كما أن العالم صغير حقيقة لا مجازاً، وستدهش عندما تكتشف أن كثيرين ممن تعرفهم سيتقلدون مناصب مهمة لم تكن تتوقعها .
        والثاني: أن في مجال التعامل مع الآخرين ينبغي أن ننتبه إلى أن أنهم ليسوا نمطاً واحداً، وفي نفس الوقت مطلوب منا أن نتعامل معهم جميعاً، ومن ثم كان علينا أن نعرف الجهد في تنمية مهارات التعامل معهم بأنماطهم المختلفة، وليس الحكم عليهم وتقييمهم؛ لأننا لن نعدم أن نجد بعض نقاط التميز حتى في الشخصيات التي نختلف معها .وفي حديث السيدة خديجة جعلت من صفات الرسول شخصية مجمعة؛ فهو يحمل الكلّ، ويكسب المعدوم، وفي هاتين الصفتين إشارة إلى ما ينبغي أن يتمتع به من يدير الآخرين تجاههم من عاطفة جياشة تجعله يسعى إلى خدمتهم والسهر على راحتهم والمسارعة في بذل الخير لهم، وهو صلى الله عليه وسلم يقري الضيف؛ لذا لابد للمدير الناجح أن يكون دائما كريمًا وجواداً يحسن استقبال ضيفه .

(7) مهارة التفويض الفعال وتوزيع المسؤوليات
       إن الأكتاف القوية لا تنمو إلا بالتدريب، والمساعدون الأكفاء لا يولدون من فراغ، والمؤسسات القوية هي التي تحسن إدارة عملية تفويض المسؤوليات والاختصاصات، ولا تعتمد على مستوى إداري واحد تحسن إعداده فحسب؛ وإنما تبني كل منطلقاتها وحركتها على إدارة عملية التفويض، حتى لا يمر في أية مرحلة من مراحله بمنعطفات أو مشكلات تنبع من عدم وجود المستوى المؤهل لتناول القيادة من سابقه ، كما أن نجاح المدير أو المشرف يكمن في إدراكه لهذا الأمر في مؤسسته أو إدارته .
       ولقد أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية هذا الأمر ومن ثم: أوجد النبي لكل طاقة ما يناسبها من عمل، ووزع المسؤوليات، وفرض المهام ومنح أجزاء متساوية من المسؤولية والسلطة لأصحابه رضي الله عنهم؛ ففي عهده صلى الله عليه وسلم تولى على بن أبي طالب وعثمان بن عفان كتابة الوحي، كما كان يقوم بذلك أيضاً أثناء غيابهما: أُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وكان الزبير بن العوام وجهيم بن الصلت يقومان بكتابة أموال الصدقات، وكان حذيفة بن اليمان يعد تقديرات الدخل من النخيل، وكان المغيرة بن شعبة والحسن بن نمر يكتبان الميزانيات والمعاملات بين الناس .
       وفي هذا إشارة إلى أصحاب المسؤوليات في تفويض المهام، وأن يعهد ببعض مهامه إلى أحد معاونيه، ويعطيه سلطة اتخاذ القرارات اللازمة للنهوض بهذه المهمة على وجه مُرضٍ.
ومما لاشك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أدى هذه الأدوار؛ فإنه سيكون أسرع وأفضل، ولكن على المدى القصير، وسيتحمل أكثر من طاقته، ويغرق في كثير من التفاصيل الروتينية وتصبح المسؤولية عبئاً ثقيلاً .ومن ثم أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم أن قدرته على تحقيق النتائج ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأداء أصحابه
        وقد ظهر تفويض السلطة في عهد الخلفاء الراشدين حينما كان سيدنا عمر بن الخطاب يطلق الحرية لعماله في الشؤون الوظيفية، ويقيدهم في المسائل العامة، أي يفوضهم بعضاً من السلطات ويراقب عملهم في حدود ذلك التفويض، وكان يختبر موظفيه بين الحين والآخر ليتأكد من كفاءاتهم وقدرتهم .
       ويبدو ذلك جليًا في موقفه مع كعب بن سور، حينما كان جالسًا عند عمر فجاءته امرأة تشكو زوجها فقال لكعب: "اقض بينهما"، فلما قضي قضاءه قال لكعب: "اذهب قاضيًا على البصرة".
         وهنا لا ينبغي للمشرف أن ينظر إلى التفويض على أنه تهرب من المسؤولية؛ لأنه المسؤول في النهاية عن نتائج إدارته، ومن ثم فهو يفوض طريقة العمل ولا يفوض المسؤولية .
كما أن التفويض ليس تخلصاً من المهام غير الممتعة، بأن يعهد بها المدير إلى أحد مرؤوسيه؛ إنما ينبغي أن ننظر إلى التفويض على أنه إيجاد البدائل القادرة على القيام بالصورة المثلى في المستقبل مستصحبة في أدائها الفعال ما سبق لها من تجربة ناضجة في أدائه.

(8) التخطيط الدقة
           لقد كان التخطِيطُ النبوي في الهجرةِ في غايةِ الدقة، والتخطيطُ يعنِي التفكيرَ والتدبِير، والتأمُّلَ العلمي في الأمور، ثم التبصُّرَ قبل اتخاذِ القَرار". ومَنْ تدبَّرَ خطواتِ الهجرة النبوية أدركَ ما فيها من وضوحٍ الهدف، ودراسة البيئة المحيطة، واختيارِ أحسن الوسائل. وقد تقرَّرَ في علمِ الإدارة أنَّ مراحلَ التخطيطِِ العلمي تتكوَّنُ من: مرحلةِ تحديد الأهداف، ومرحلة التنبؤ بالمناخ والبيئة المتوقع أن تتحقق الأهداف فيها؛ حتى لا تؤثر المتغيرات على الخطة، ومرحلة تقديرِ أفضلِ الطُّرقِ والوسائل التي يمكنُ بها تحقيقُ الأهدافِ المحددة"[22].

(9)  الإدارة الأسرية الناجحة
         كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عاملا على أموال خديجة رضي الله عنها،
هكذا عرفت خديجة محمد صلى الله عليه وسلم لقد عمل لديه. وعندما عرفت منه الأمانة والخلق الرفيع أرادات الزواج منه. لكن ماذا كان موقف النبي من أموال خديجة بعد الزواج؟ لقد بقي الحال على ماهو عليه قبل الزواج ، فانظروا بقي محمد صلى الله عليه وسلم عاملاً على أموال زوجته وأكنّ لها حباً عظيماً في قلبه على رغم من فرق المستوى الاجتماعي باصطلاحاتنا الحديثة وعلى الرغم من فرق السن بينهما.
          وفي حديث الإفك، كم كان الأمر عظيماً على نفسه صلى الله عليه وسلم ونفس عائشة رضي الله عنها. لكن في جميع المراجع التي ذكرت هذه الحداثة لم يرد عن النبي أنه أنب عائشة أو تكلم إليها بما يسئ بل التزم الصمت واكتفى بإرسالها إلي بيت أبيهاوانتظر من رب السماء إزالة هذه الغمة، ولم يسارع بالمقابل في الدفاع عنها وإن كان متأكداً من طهرها وبراءتها. لكنها الحكمة الإدارية النبوية في تقصى المعلومات والحقائق قبل اتخاذ القرار لمعالجة أي مشكل.[23]

فهرس المراجع الكتابية
1- تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية: 1420هـ - 1999 م.
2- الجامع الصحيح المختصر، لمحمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق د.مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة بيروت، الطبعة الثالثة : 1407 - 1987.
3- الجامع الصحيح المسمى صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، دار الجيل بيروت ودار الأفاق الجديدة.
4- محبة النبي r وتعظيمه، لعبد الله الخضيري وعبداللطيف محمد حسن، مجلة البيان، الطبعة الثانية: 1426 هـ-2007م.
5- معالم السنن بحاشية مختصر سنن أبي داود، لأبي سليمان الخطابي.
6- أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعز الدين علي بن محمد الجزري.
7- أسرار التميز الإداري والمهـاري في حياة الرسول، لمحمد أحمد عبد الجواد.
8- مقدمة الإدارة المدرسية، لسعيد بامشموس.

فهرس المراجع الإلكترونية
1- موقع الجمعية الخيرية لتحفيظ القران
2- موقع الإسلام
http://www.islamselect.com
3- موقع نسيم الظواهرى
www.nassimbishra.com
4- موقع لها أونلين
http://www.lahaonline.com
5- موقع ملتقى التربية بالزلفي
http://www.zulfiedu.gov.sa



[1] من مقالة أحمد الخميس في موقع ملتقى التربوي بالزلفي (http//zulfiedu.gov.sa/lostsite/021)
تاريخ 20 ديسيمبير 2011/ساعة 22.00
[2] للتتوضيح انظر: مقدمة الإدارة المدرسية، لسعيد بامشموس.
[3] سورة الأحزاب: 21
[4] تفسير القرآن العظيم (3/457)
[5] أخرجه البخاري (رقم 631/1/155)
[6] أخرجه مسلم (رقم 1297/1/943)
[7] انظر الحديث بكماله: صحيح مسلم (4/126-127)
[8] معالم السنن (7/12)
[9] سورة آل عمران: 31
[10] صحيح البخاري (رقم 5063) ومسلم (رقم 1401)
[11] لمزيد من المعلومات في أهمية الاتباع: محبة النبي r وتعظيمه، إعداد عبد الله الخضيري وعبداللطيف محمد حسن.
[12] سورة المائدة: 2
[13] يجمع بعضها من مقالة محمد عادل فارس في موقع الإسلامى ((http://islamselect.net/89128mat/
تاريخ 20 ديسيمبير 2011/ساعة 23.00
[14]  سورة إبراهيم: 36
[15]  سورة المائدة: 118
[16] سورة نوح: 26
[17] سورة يونس: 88
[18] انظر القصة بكمالها في: أسد الغابة (1/294)
[19] صحيح مسلم (1/112)
[20] ينقل من مقالة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم http://qk.org.sa/vb/showthread.php?t=8808))
تاريخ 20 ديسيمبير 2011/ساعة 23.30
[21] كما ذكر محمد أحمد عبد الجواد في كتابه (أسرار التميز الإداري والمهـاري في حياة الرسول(
[22] بحث في موقع نسيم الظواهرى http/nasimshibra.com/lostfile021))
[23] انظر: الإدارة الأسرية في السيرة النبوية، مقالة موقع لها أونلين (http://forum.lahaonline.com/showthread.php?t=)94322&page=1)
تاريخ 20 ديسيمبير 2011/ساعة 23.50

0 komentar: